الحرب..!


فرانك: لقد ذهبت للحرب لأنني أردت الذهاب.

إيثيل: و هل تذهب ثانية لو تكرر الأمر؟

فرانك: أظن ذلك.

إيثيل: (تكاد تبكي): لكنني لن أدعك تذهب ثانية أبدا، بل أفضل أن أقتلك بيدي.

فرانك: لكن هذه هذه هي البلاهة بعينها!

إيثيل: إنك تصيـبني بالصداع عندما تتكلم هكذا، إنه كلام لا يعقل.

فرانك: آه، كم أود أن أعرف أي كلام يعقل!

إيثيل: (بحماس): أشياء كثيرة، هناك الأولاد و أنا، أليس كذلك؟ هناك وظيفتك و هذا البيت و حياتنا التي نحياها فيه، و أنت تشوه كل شيء بحديثك عن الحرب و عن ذهابك إليها ثانية لو طلب منك أحد أن تفعل.

فرانك: غير صحيح، أنا لم أقل هذا أبدا.

إيثيل: بل قلته و أنت تعرف أنك قلته، و أنا لا أطيق أن أفكر فيه، ليس بعد كل ما مررت به و أنا أنتظر عودتك و أقلق من أجلك، إن مجرد تذكيري بذلك قسوة ما بعدها قسوة!

فرانك: ما الداعي لتكدير نفسك هكذا، لن تكون هناك حرب أخرى على كل حال.

إيثيل: لا، ستكون هناك حرب ما دام هناك رجال أغبياء يودون الذهاب إليها.


مسرحية "هذا الجيل المحظوظ"، نويل كاورد، ص 33-34

مطلوب لخدمة العلم!

نهض المواطن عرب بن عروبة بن عربان مبكراً من فراشه، فغسل وجهه بسرعة بالماء المثلج، وحلق ذقنه كيفما اتفق بشفرة مثلمة، وضرب شعره ضربتين بمشط مكسور، ثم ألقى نظرة عابرة إلى وجهه وقيافته، ثم إلى أمه وأخته، قبل أن يتأبط مصنف "قضيته" وينطلق إلى دوائر الدولة للمراجعة في شأنه. لقد استغفلهم صاحب البيت وتنكر لعشرين سنة من صباح الخير يا جار ومساء الخير يا جار وتقدم بدعوى قضائية لاخلاء المأجور وطردهم منه إلى الشارع.


ولكنه كان واثقاً أن الدولة لن تنساه في محنته هذه. وأن حربة الظلم لايمكن أن تنفذ من كل ما في دوائر الدولة من موظفين واختام ومصنفات لتستقر في قلبه. واستقل الباص، وقصد مكتب القاضي المختص بقضايا المواطنين في وزارة العدل.


الحاجب: نعم؟
المواطن: هل سيادة القاضي موجود؟
الحاجب: لا . انه مسافر.
المواطن: إلى أين؟
الحاجب: إلى جنيف لحضور مؤتمر الحقوقيين الدوليين.
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا أعرف. وغرق في احدى روايات أرسين لوبين.
واستقل المواطن باصاً آخر لمراجعة مسؤول آخر.


حاجب آخر: نعم؟
المواطن: هل الاستاذ فلان موجود؟
الحاجب: لا . انه مسافر إلى سيؤل لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا أعرف. وانصرف إلى براد الشاي يعده ويخمره.
واستقل المواطن باصاً آخر لمقابلة مسؤول آخر.


السكرتيرة: نعم؟
المواطن: هل الدكتور فلان موجود؟
السكرتيرة: لا مسافر إلى لاغوس لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الأرتيري.
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة: لا أعرف. وانصرفت إلى مجلة الشبكة.
واستقل المواطن باصاً آخر لمقابلة مسؤول آخر.


سكرتيرة أخرى: نعم؟
المواطن: هل الاستاذ الدكتور موجود؟
السكرتيرة: لا إنه مسافر إلى مالطا لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الكوري.
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة: لا أعرف. وغرقت في مجلة بوردا.


وعندما انتهى الدوام الرسمي وخلت الدوائر والمكاتب من الموظفين والمراجعين، ولم يبق فيها إلا الأوراق والمعاملات والمصنفات. وبعد أن تورمت قدماه من صعود الأدراج وهبوطها، لم يبق أمامه ما يفعله سوى الانتظار مرة أخرى مع مئات المنتظرين عند مواقف الباصات للعودة إلى بيته وأهله. وعندما ابتسم له الحظ وأقبل الباص شتم أثناء الصعود ونشل أثناء النزول.


وعندما وصل إلى مدخل الحارة فوجىء بأغراض بيته مكومة في الشارع وأمه وأخته تجلسان عليها. وكل منهما وضعت يدها على خدها وراحت تحدق في هذا العالم. ولما كان بطبعه هادئاً مسالماً فقد سأل بهدوء: متى حدث ذلك؟
فأجابته الأم دون أن تنظر إليه: بعد ذهابك بقليل.
فربت على كتفها مواسياً، وجلس القرفصاء على كومة الأغراض والمعاملة لا تزال تحت إبطه. ونظر بحنان إلى أخته الصامتة الشقية وسأل: ما بها؟
فقالت الأم: فوق همنا هذا، ونحن نخرج الأغراض والأمتعة، وفيما هي منحنية لحزمها، جاء أحد المارة وقرصها في مؤخرتها.
فقال متنهداً: بسيطة.
فقالت الأم: بسيطة، بسيطة. وماذا ستفعل الآن. والليل قد أقبل؟ هل ننام في الشارع؟
فقال لها: لا تبتئسي يا أمي ان الدولة لا يمكن أن تنساني. أنا واثق من ذلك.
وهنا أقبل نحوه شرطي يجرجر قدميه من التعب، وسأله وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبته الجلدية: هل أنت المواطن فلان الفلاني؟
المواطن: نعم.
الشرطي: مطلوب لخدمة العلم.

نعم لم أسمع، "سأخون وطني" لمحمد الماغوط

سؤال الفلسفة


لم تشتهر الفلسفة بشيء اشتهارها بممارسة السؤال، و لم يُطبق المشتغلون بها على شيء إطباقهم على هذا الوصف؛ لكن ما أن نتأمل هذه الحقيقة قليلا، حتى نتبين أن السؤال الفلسفي لم يكن شكلا واحدا، و إنما كان أشكالا اختلفت باختلاف أطوار هذه الممارسة، و لا يخفى أن أبرز هذه الأشكال اثنان: السؤال القديم الذي اختص به الطور “اليوناني”، و السؤال الحديث الذي ميّز الطور “الأوربي”.


أما السؤال الفلسفي اليوناني القديم، فقد كان عبارة عن فحص؛ و مقتضى الفحص هو أن يَختبر السائل دعوى محاوره بأن يُلقي عليه أسئلة تضطره إلى أجوبة تؤول في الغالب إلى إبطال دعواه؛ و خير شاهد على هذا الفحص الفلسفي ممارسة “سقراط” للسؤال؛ فقد كان دأبه أن يبادر أحدَ مواطنيه بسؤال عام عن مفهوم مأخود من مجال الأخلاق على الخصوص، حتى إذا تلقّى منه جوابا معينا، ألقى عليه مزيدا من الأسئلة الواضحة التي لا يجد المُحاور بُدّا من الرد عليه بالإيجاب، معتقدا أن هذا الرد لا يضر في شيء من جوابه الأول؛ فإذا فرغ “سقراط’ من أسئلته التي قد تطول و تتشعب، مضى إلى الجمع بين أجوبة هذا المجاور المختلفة، مبرزا التناقض الصريح بين جوابه الأول و أجوبته الاضطرارية اللاحقة.


و أما السؤال الفلسفي الأوربي الحديث، فهو عبارة عن نقد؛ و مقتضى النقد هو أن لا يسلّم بأي قضية –كائنة ما كانت- حتى يقلّبها على وجوهها المختلفة، و يتحقق من تمام صدقها، متوسلا في ذلك بمعايير العقل وحدها؛ و الفرق بين النقد و الفحص هو أن الأول يوجب النظر في المعرفة و يقصد الوقوف على حدود العقل، في حين أن الثاني يوجب الدخول في الحوار و يقصد إفحام المحاور؛ و خير مثال على هذا النقد فلسفة “كانط”، حيث إنه ذهب به إلى أقصى مداه، فلم يقف عند حد التساؤل –لا المعارف التي يُوصّل إليها فحسب- حتى سمّي قرنه بقرن النقد؛ و أخذ الفلاسفة من بعده يحتذون إلى يومنا هذا حذوه في كل ما يخوضون فيه من الموضوعات و يشتغلون به من المشكلات إلى أن أضحت هذه الممارسة النقدية تشمل كل شيء و لا تستثني إلا نفسها، و أضحينا معها لا نكاد نحصي الأعمال التي تحمل في عنوانها لفظ “نقد”.


الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، طه عبد الرحمن


في الحرب

لا يجوز لدولة في حربها مع دولة أخرى أن تسمح للقتال أن يتخذ شكلا من شأنه أم يجول دون تبادل الثقة عند عودة السلام، مثال ذلك: استخدام السفاحين، و داسي السموم، و انتهاك شروط الاستسلام، و الحض على الخيانة في الدولة التي تحاربها (…)


و لا بد أن تبقى الثقة في نفس العدو حتى أثناء الحرب، و إلا ما كان السلام ممكنا، و لتجول القتال إلى حرب إبادة؛ بينما الحرب ليست إلا الوسيلة البائسة التي يضطر الناس للجوء إليها في حالة الطبيعة للدفاع عن حقوقهم بالقوة [حيث لا توجد إي محكمة يمكنها أن تحكم بقوة القانون]. و هنالك لا يمكن اعتبار أي من الطرفين عدوا ظالما [لأن ذلك بغترض حكما قضائيا] و نتيجة القتال وحدها هي التي تقرر في أي جانب بقوم الحق.


و لا يمكن نصور حرب تأديبية بين الدول [لأنه لا يوجد يبنهما علاقة رئيس بمرؤوسه]، و ينتج عن هذا أن حرب الإبادة التي يمكن أن تؤدي إلى تدمير الطرفين، و معهما كل نوع من الحقوق، لن تدع مجالا للسلام الدائم إلا في المقبرة الكبرى للجنس البشري. و لهذا يجب إذن أن نمنع مثل هذه الحروب منعا باتا، و بالتالي منع استعمال الوسائل التي تؤدي إليها.

نحو سلام دائم، إيمانويل كانط

ساعتان في القطار


خلال ساعتان في القطار
أعيد شريط حياتي
دقيقتين في السنة كمعدل وسط
نصف ساعة للطفولة
نصف ساعة للسجن
الحب، الكتب و التشرد
تتقاسم البقية
يد رفيقتي
تذوب بهدوء في يدي
رأسها على كتفي
بخفة يمامة
عند وصولنا
أصبحت في الخمسين
و يبقى لي لأعيش
قرابة الساعة
ساعتان في القطار، عبد اللطيف اللعبي، ترجمة عبده وزان


موت الأم 1/2


1
عندما كانت بيروت تموت بين ذراعيّ
كسمكة اخترقها رمح
جاءني هاتف من دمشق يقول:
"أمك ماتت".
لم أستوعب الكلمات في البدايهْ
لم أستوعب كيف يمكن أن يموت السمك كلّه
في وقت واحد...
كانت هناك مدينة حبيبة تموت.. اِسمها بيروتْ
و كانت هناك أمٌّ مدهشة تموتْ.. اِسمها فائزة..
و كان قدري أن أخرج من موتٍ..
لأدخل في موت آخرْ..
كان قدري أن أسافر بين موتين..

2
كل مدينة عربية هي أمّي..
دمشق، بيروت، القاهرة، بغداد، الخرطوم،
الدار البيضاء، بنغازي، تونس، عمّان، الرياض،
الكويت، الجزائر، أبوظبي و أخواتها..
هذه هي شجرة عائلتي..
كلّ هذه المدائن أنزلتني من رَحمِها
و أرضعتني من ثديها..
و ملأت جيوبي عنبا، و تينا، و برقوقا..
كلها هزًّت نخلها فأكلت..
(...)

3
يعرفونها في دمشق باسم (أمّ المعتز)
و بالرغم أن اسمها غير مذكور في الدليل السياحي
فهي جزء من الفولكلور الشاميّ.
و أهميتها لا تقلّ عن أهمية (قصر العظم)
و قبر (صلاح الدين) و (مئذنة العروس)
و مزار (محي الدين بن عربي).
و عندما تصل إلى دمشق..
فلا ضراوة أن تسأل شرطي السير عن بيتها..
لأن كل الياسمين الدمشقي يُهرهِرُ فوق شرفتها،
و كل الفلّ البلدي يتربى في الدلال بين يديها..
و كلّ القطط ذات الأصل التركيّ..
تأكل و تشرب.. و تدعو ضيوفها.. و تعقد اجتماعاتها..
في بيت أميّ..

4
نسيت أن أقول لكم، أن بيت أمي كان معقلا للحركة الوطنية في الشام عام 1935. و في باحة دارنا الفسيحة كان يلتقي قادة الحركة الوطنية السورية بالجماهير. و منها كانت تنطلق المسيرات و التظاهرات ضد الانتداب الفرنسي..
و بعد كل اجتماع شعبي، كانت أمي تحصي عدد ضحاياها من أصص الزرع التي تحطمت و الشتول النادرة التي انقصفت.. و أعوادِ الزنبق التي انكسرتْ..
و عندما كانت تذهب إلى أبي شاكيةً ل خسارتها الفادحة، كان يقول لها، رحمه الله، و هو يبتسم:
(سجّلي أزهارك في قائمة شهداء الوطن.. و عَوَضك على الله...)
(...)

5
أمي لا تتعاطى العلاقات العامة، و ليس لها صورة واحدة في أرشيف الصحافة.
لا تذهب إلى الكوكتيلات و هي تلفّ ابتسامتها بورقة سولوفان..
لا تقطع كعكة عيد ميلادها تحت أضواء الكاميرات...
(...)
و لم يسبق لها أن استقبلت مندوبة أي مجلة نسائية، و حدثتها عن حبّها الأول.. و موعدها الأول.. و رجلها الأول..
فأمي (دقةٌ قديمة).. و لا تفهم كيف يكون للمرأة حب أول.. و ثان.. و ثالثٌ.. و خامس عشر..
أمّي تؤمن برب واحد.. و حبيبٍ واحد.. و حبّ واحد..
(...)

8
بموت أمّي..
يسقط آخر صوفٍ أغطي به جسدي
آخر قميص حنانْ..
آخر مِظلة مطَرْ..
و في الشتاء القادم..
ستجدونني أتجوّل في الشوارع عارياُ..

9
كلّ النساء اللواتي عرفتهُنّ
أحببنني و هنَّ صاحياتْ..
وحدها أمّي..
أحبتني و هي سكْرى..
فالحبُّ الحقيقي هو أن تسكَرْ..
و لا تعرف لماذا تسكرْ..

10
أمي متفشية في لغتي..
كلما نسيتُ ورقة من أوراقي في صحن الدارْ..
رشتها أمّي بالماء مع بقية أحواض الزرع..
فتحولت الألِف إلى (امرأة)..
و الباء إلى (بنفسجة)
و الدال إلى (دالية)
و الراء إلى (رمّانة)
و السين إلى (سوسنة) أو (سمكة) أو (سُنُونوّة)..
و لهذا يقولون عن قصائدي إنها (مكيّفة الهواءْ)..
و يشترونها من عند بائع الأزهار..
لا من المكتبات...

11
كلما سألوها عن شعري، كانت تجيب:
"ملائكة الأرض و السماء.. ترضي عليه".
طبعاً.. أمي ليست ناقدة موضوعية..
و لكنها عاشقة. و لا موضوعية في العشق.
فيا أمي. يا حبيبتي. يا فائزة..
قولي للملائكة الذي كلّفتهم بحراستي خمسين عاماً، أن لا يتركوني..
لأنني أخاف أن أنام وحدي...

نزار قباني، أمّ المُعْتَزْ...


وهكذا قبض القدر على سلمى كرامه...


إن رؤساء الدين في الشرق لا يكتفون بما يحصلون عليه لأنفسهم من المجد و السؤدد بل يفعلون كل ما في وسعهم ليجعلوا أنسباءهم في مقدمة الشعب و من المستبدين به و المستدرين قواه و أمواله. إن مجد الأمير ينتقل بالإرث إلى ابنه البكر بعد موته، أما مجد الرئيس الديني فينتقل بالعدوى إلى الآخرة و أبناء الأخوة في حياته. و هكذا يصبح الأسقف المسيحي و الإمام المسلم و الكاهن البرهمي كأفاعي البحر التي تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة و تمتص دماءها بأفواه عديدة.

عندما طلب المطران بولس يد سلمى من والدها لم يجبه ذلك الشيخ بغير السكوت العميق و الدموع السخينة. -و أي والد لا يشق عليه فراق ابنته حتى و لو كانت ذاهبة إلى بيت جاره أو إلى قصر الملك؟ أي رجل لا ترتعش أعماق نفسه بالغصات عندما يفصله ناموس الطبيعة عن الابنة التي لاعبها طفلة و هذبها صبية و رافقها امرأة؟ إن كآبة الوالدين لزواج الابنة يضارع فرحهما بزواج الابن، لأن هذا يُكسب العائلة عضوا جديدا أما ذاك فيسلبها عضوا قديما عزيزا- أجاب الشيخ طلب المطران مضطراً و انحنى أمام مشيئته قهراً عما في داخل نفسه من الممانعة، و كان قد اجتمع بابن أخيه منصور بك و سمع الناس يتحدثون عنه فعرف خشونته و طمعه و انحطاط أخلاقه، و لكن أي مسيحي يقدر أن يقاوم أسقفاً في سوريا و يبقى محسوبا بين المؤمنين، أي رجل يخرج عن طاعة رئيس دينه في الشرق و يظل كريما بين الناس؟ أتعاند العين سهما و لا تفقأ أو تناضل اليد سيفا و لا تقطع؟ و هب أن ذلك الشيخ كان قادرا على مخالفة المطران بولس و الوقوف أمام مطامعه فهل تكون سمعة ابنته في مأمن من الظنون و التآويل، و هل يظل اسمها نقيا من أوساخ الشفاه و الألسنة؟ أو ليست جميع العناقيد العالية حامضة في شرع بنات آوى؟

هكذا قبض القدر على سلمى كرامه و قادها عبدة ذليلة في موكب النساء الشرقيات التاعسات، و هكذا سقطت تلك الروح النبيلة بالحبائل بينما كانت تسبح لأول مرة على أجنحة الحب البيضاء في فضاء تملأه أشعة القمر و تعطره رائحة الأزاهر.

الأجنحة المتكسرة، جبران خليل جبران

الشاه و المساواة


تصبح النساء مهمات في حياة الرجل فقط إن كن جميلات و جذّابات و محافظات على أنوثتهن. و ما قصة الأنثوية هذه، على سبيل المثال. ما الذي تريده تلك النساء اللواتي يدعون إلى المساواة؟ تقلن مساواة! لا أريد أن أبدو فظا... أنتم متساوون أمام القانون، لكن، اعذرنني على قولي هذا، ليس في القدرة.. لم تقمن بإنتاج أعمال كأعمال مايكل أنجلو أو باخ. لم تقمن حتى بإنتاج طباخ عظيم. و إن ناقشتنني حول الفرص، كل ما يمكنني قوله هو، هل تمزحن؟ هل غابت عنكن فرصة إعطاء التاريخ طاهيا عظيماً؟ لم تنتجن أي شيء عظيم، و لا أي شيء.

محمد رضا شاه بهلوي (شاه إيران)، في مقابلة مع أوريانا فالاتشي، امرأة وحيدة: فروغ فرخزاد و أشعارها

السنَّـة -4-


103

هناك سؤال شهير. لنطبقه على أنفسنا: ما هو حي و ما هو ميت في وجداننا؟

نخر الاستعمار السنة و لا يزال. عرقل الاستعمار الإصلاح و لا يزال.
ذكرنا بدائل. هي تركيبات ذهنية، فرضيات و احتمالات، الفائدة منها التحرر فكريا من حبائل السنة و ردّها عليها.

قلنا إن هناك قاعدة ثابتة في التاريخ و هي أن السنة بمجرد قيامها، تحدّ سابق-سنة و لاحق-سنة. و اعتبار هذا الأمر يوفر لنا حيزا كبيرا من الحرية، يمدنا بالقدرة على التصرف و التأويل، على التسليم بالتنوّع و التعايش.

تود السنة لو تحبسنا في زاوية و تلزمنا بالاختيار، إما شريعة سماوية قارة و إما قوانين بشرية متغيرة. بموقفها هذا، و عكس ما تظن، تؤبد الحاضر المؤلم. هل يوجد على وجه الأرض و طول التاريخ سوى أوامر من البشر؟ و هؤلاء المتحكمون إما مغرورون يدّعون اتصالا دائما و مباشرا مع الخالق، بدون أدنى برهان، و غما متواضعون يعترفون أنها (القوانين) من اجتهادهم (هامش: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله" (آية 50 س 6 الأنعام)، "و لا أعلم الغيب و لا أملك لنفسي ضرّا و لا نفعا" (آية 188 س 7 الأعراف)، "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم واحد" (آية 6 س 41 فصّلت). )

الحذر، مجرد الحذر، بصرف النظر عن خطورة الوضع، يدعونا إلى تفضيل المتواضع على المتكبر، من يطرح مقترحه للنقاش، يقبل أن يجرب، يعدّل، و ربما يُلغي مؤقتا إلى حين تبرز فرصة جديدة لتجربته مرة أخرى.


السنة و الإصلاح، ص 107-108
ذي علاقة: السنة 1 - السنة 2 - السنة 3