وهكذا قبض القدر على سلمى كرامه...


إن رؤساء الدين في الشرق لا يكتفون بما يحصلون عليه لأنفسهم من المجد و السؤدد بل يفعلون كل ما في وسعهم ليجعلوا أنسباءهم في مقدمة الشعب و من المستبدين به و المستدرين قواه و أمواله. إن مجد الأمير ينتقل بالإرث إلى ابنه البكر بعد موته، أما مجد الرئيس الديني فينتقل بالعدوى إلى الآخرة و أبناء الأخوة في حياته. و هكذا يصبح الأسقف المسيحي و الإمام المسلم و الكاهن البرهمي كأفاعي البحر التي تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة و تمتص دماءها بأفواه عديدة.

عندما طلب المطران بولس يد سلمى من والدها لم يجبه ذلك الشيخ بغير السكوت العميق و الدموع السخينة. -و أي والد لا يشق عليه فراق ابنته حتى و لو كانت ذاهبة إلى بيت جاره أو إلى قصر الملك؟ أي رجل لا ترتعش أعماق نفسه بالغصات عندما يفصله ناموس الطبيعة عن الابنة التي لاعبها طفلة و هذبها صبية و رافقها امرأة؟ إن كآبة الوالدين لزواج الابنة يضارع فرحهما بزواج الابن، لأن هذا يُكسب العائلة عضوا جديدا أما ذاك فيسلبها عضوا قديما عزيزا- أجاب الشيخ طلب المطران مضطراً و انحنى أمام مشيئته قهراً عما في داخل نفسه من الممانعة، و كان قد اجتمع بابن أخيه منصور بك و سمع الناس يتحدثون عنه فعرف خشونته و طمعه و انحطاط أخلاقه، و لكن أي مسيحي يقدر أن يقاوم أسقفاً في سوريا و يبقى محسوبا بين المؤمنين، أي رجل يخرج عن طاعة رئيس دينه في الشرق و يظل كريما بين الناس؟ أتعاند العين سهما و لا تفقأ أو تناضل اليد سيفا و لا تقطع؟ و هب أن ذلك الشيخ كان قادرا على مخالفة المطران بولس و الوقوف أمام مطامعه فهل تكون سمعة ابنته في مأمن من الظنون و التآويل، و هل يظل اسمها نقيا من أوساخ الشفاه و الألسنة؟ أو ليست جميع العناقيد العالية حامضة في شرع بنات آوى؟

هكذا قبض القدر على سلمى كرامه و قادها عبدة ذليلة في موكب النساء الشرقيات التاعسات، و هكذا سقطت تلك الروح النبيلة بالحبائل بينما كانت تسبح لأول مرة على أجنحة الحب البيضاء في فضاء تملأه أشعة القمر و تعطره رائحة الأزاهر.

الأجنحة المتكسرة، جبران خليل جبران