السنَّـة -2-


77

لا يتصور السني مجتمعا بلا طبقات، دع الكلام عن سلطة موزعة أو حكم مشترك. لا يحتاج إلى استلهام التاريخ ليقرر أن الديمقراطية هي عين الفوضى و المساومة فتنة مقنّعة. يقول: هل الكواكب متساوية؟ هل الملائكة سواسية؟ فلماذا لا يكون بين البشر تمييز و تفضيل؟
انحلّت فكرة القدر القاهر في فكرة الرب القاهر.
التمييز واقع ملموس و مشروع، في نظر السني، على كل مستويات المجتمع. هناك حاكم و محكوم، سيد و مولى، شريف و عامي، حر و مملوك، ذكر و أنثى، بالغ و قاصر،عاقل و سفيه، عالم و أمّي، مؤمن و كافر، إلخ.
لا يكتفي الفقيه السنّي بإقرار ثنائية شاملة، بل يتفنن في تنويع أشكالها و تمييز مقاديرها. للحريات درجات و كذلك الشرف و كذلك العلم و كذلك النفوذ... و هكذا يتأسس علم مستقل، حساب مجتمعي يطبق بصرامة في القانون المدني و الجنائي.
إنكار الواقع المتفاوت أو الشك في العلم المتعلق به يعد كفرا و جهالة، سيما و أن إقرار المراتب له مظهر إيجابي: الحد من استبداد الحاكم. كما يقلل من مساوئ التفاوت الاجتماعي، يمثل هذا بدوره سدا ضد الفوضى السياسية.


السنة و الإصلاح، ص 166-167

ذي علاقة: السنّة 1

مصطفى سعيد: عطيل كان أكذوبة


و خطر لي أن أقف و أقول لهم: "هذا زور و تلفيق. قتلتهما أنا. أنا صحراء الظمأ. أنا لست عطيلا. أنا أكذوبة. لماذا لا تحكمون بشنقي فتقتلون الأكذوبة!"

موسم الهجرة إلى الشمال، الطيب صالح، ص 43-44


و المحلفون أيضا، أشتات من الناس، منهم العامل والطبيب و المزارع و المعلم و التاجر و الحانوتي، لا تجمع صلة بيني و بينهم، لو أنني طلبت استئجار غرفة في بيت أحدهم فأغلب الظن أنه سيرفض، و إذا جاءت ابنة أحدهم تقول له أنني سأتزوج هذا الرجل الأفريقي، فيحس حتما بأن العالم ينهار تحت رجليه. و لكن كل واحد منهم في هذه المحكمة سيسمو على نفسه لأول مرة في حياته. و أنا أحس تجاههم بنوع من التفوق، فالاحتفال مقام أصلا بسببي، و أنا فوق كل شيء مستعمر، إنني الدخيل الذي يجب أن يبت في أمره. حين جيأ لكتشنر بمحمود ود أحمد و هو يرسف في الأغلال بعد أن هزمه في موقعة اتبرا، قال له: "لماذا جئت بلدي تخرب و تنهب؟" الدخيل هو الذي قال ذلك لصاحب الأرض، و صاحب الأرض طأطأ رأسه و لم يقل شيئا. فليكن أيضا ذلك شأني معهم. إنني أسمع في هذه المحكمة صليل سيوف الرومان في قرطاجة، و قعقعة سنابك خيل اللنبي و هي تطأ أرض القدس. البواخر مخرت عرض النيل لأول مرة تحمل المدافع لا الخبز، و سكك الحديد أنشئت أصلا لنقل الجنود. و قد أنشؤوا المدارس ليعلمونا كيف نقول "نعم" بلغتهم. إنهم جلبوا إلينا جرثومة العنف الأوربي الأكبر الذي لم يشهد العالم مثيله من قبل في السوم و الفردان. جرثومة مرض فتاك أصابهم منذ أكثر من ألف عام. نعم يا سادتي، إنني جئتكم غازيا في عقر داركم. قطرة من السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ. أنا لست عطيلا. عطيل كان أكذوبة.

ص 116-117

رأي في الحرية


انظروا عن قرب و سوف تدركون أن لفظ الحرية هو لفظ فارغ من المعنى، فليس هناك و لا يمكن أن توجد كائنات حرة. فنحن لا نوجد سوى بالطريقة التي توافق النظام العام، أي توافق التنظيم و التربية، و توافق سلسلة الأحداث. هذا ما يتحكم فينا بشكل لا يقهر. إننا لا نتصور كيف يمكن لكائن ما أن يتصرف بدون دافع، و كيف يمكن لإبرة الميزان أن تتحرك دون تأثير الوزن. إن المؤثر يوجد دوما في الخارج و غريب عنا، فهو يرتبط بسبب أو بآخر لا يتعلق بنا في كل الأحوال. إن ما يخدعنا هو التنوع المدهش لأفعالنا التي تنضاف إلى العادة التي ألفناها من خلال خلطنا بين ما هو إرادي و ما هو حر، طالما تعلقنا بحكم سابق و قديم و امتدحناه مرارا، ألا و هو الاعتقاد بأننا نريد و نسلك بطريقة حرة، سواء تعلق الأمر بنا أو بالآخرين.
دينس ديدرو Denis Diderot