السنَّـة -1-

76

ينشأ مذهب السنة عن وضع محدد، و يعمل على استمرار ذلك الوضع بالذات.
نترك المؤرخين يتجادلون في مسألة السوابق و اللواحق، الأسباب و المسببات، و نكتفي نحن، صحبة الاجتماعيين، برصد الروابط و العلاقات.
أول العلاقات و أوضحها هي السياسة. أية علاقة أبين من تلك التي تربط التوحيد و الاستبداد؟ في السماء إله واحد و في الأرض حاكم مطلق السلطة. هل في وسع البشر أن يتصوروا الله إلا جالسا على عرشه يفصل في قضايا الكون، يحيط به أعوان و موال حسب ترتيب محكم و مراسيم دقيقة؟ ما إن يكون نطق إلا و يكون تشبيه و التشبيه الذي يسنح للذهن محصور العدد حتى لدى الفرد الملهم الموهوب. من يتلقى الوحي نفسه لا يذكر إلا ما يعقل.
يكفي أن نأخذ التشبيهات و الأمثال على وجهها، و هو ما يفعله تلقائيا أنصار السنة، لكي يطمس كل فارق بين ما يجربه الناس يوميا، حكم الفرد المستبد، و ما هو مقدر منذ الأزل. من البدء يرتدي السلطان لباس القداسة.
هنا يجب اعتبار البعد الزمني.
إذا أخذنا بالمدى الطويل، فإننا نخلص حتما إلى أن حكم الواحد، أكان فرعونيا أو قيصريا أو كسرويا، و هو ما آلت إليه كل التجارب السياسية التي عرفها التاريخ القديم، هو الذي هيأ الأذهان في المدار المتوسطي إلى اعتناق عقيدة التوحيد كما تبلورت في بقعة نائية على أطراف الامبراطوريات المعروضة. طالما استمر هذا الاتجاه، و لم ينعكس في أي مجتمع، فإن التوحيد يظل الفرضية الواردة.
إذا ركزنا بالعكس على المدى القصير، فإننا نستنتج بلا تردد أن التوحيد، سيما في صورته الأكثر سداداً و اتّساقا، الذي يرفض كل وساطة بين الخالق و المخلوق، يؤدي ضرورة بالناس إلى تفويض إدارة شؤونهم إلى فرد مطلق التصرف شريطة أن يوازن إطلاقَ السلطة العدلُ و الأنصاف.
مذهب السنة يميل بالطبع إلى تفضيل البعد القصير، فيختزل الاحتمالات في واحد قابل للتحقيق هو حكم المستبد العادل.

السنة و الإصلاح، عبد الله العروي، ص 165-166

الناقد و القارئ


الناقد المحترف يفقد، مع الزمن، حاسة التعاطف الأدبي. هذا موقف إيجابي في تقويم الإبداع، لكنه يتحول إلى آلة إلكترونية تخضع الأعمال الأدبية عنده لمنهاج واحد، و إيديولوجية معينة. إن طبيعة انتماءه تفرض عليه أن يكسب هو أيضا جمهوره من المنتمين مثله أو المتعاطفين مع انتماءه. مثل هذا الطموح لا يتم إلاّ على حساب الكاتب لصالح القارئ العادي. هذا القارئ -إذاً- هو المتفرج. إنه الرابح دائما في مثل هذه الدعوى التي يقيمها الناقد على الكاتب. إنها لا تكلف القارئ العادي حتى الشهادة الإجبارية. و هناك نقاد مهووسون بأعمال بعض الكتاب الذين يشتهرون في ظروف خاصة*. إنهم لا يملكون، وسط دهشتهم، إلاّ أن يصفقوا لأيّ عمل يظهر للكاتب المعبود. سمعت عن ناقد مصري شاب كتب عن نجيب محفوظ بهذا المعنى: "إني أعبده عبادة صوفية". هكذا نرى أن القراء العاديين لا يشاركون في حوار إبداعيّ جيّد. حتى استهلاكهم للثقافة نفتقد جدواه ما دمنا لا نعرف مدى تجاوبهم الحقيقي معنا، و جدية حكمهم التي تدفعنا إلى الإيمان بحضورهم. لا يمكن لومهم، إلاّ في أضيق حيز، ما دام الأدب الحقيقي ليس موجها إليهم. هناك قراء يستمتعون بما يقرؤون لناقد بالذات أكثر مما يستمتعون بالعمل الذي ينتقده لهم، لكن أيضا هناك نقادا بلا قراء، و كتابا لا قرّاء لهم و لا نقاد.
* نحن اليوم في العالم العربي نمر بمثل هذه الفترة في أوجها: هناك كثير من الأعمال الأدبية و الفكرية و الفنية كل هم أصحابها هو أن يصرحوا في وجوهنا بشعار الالتزام على حساب الإبداع الحقيقي.
غواية الشحرور الأبيض، محمد شكري، ص 59-60

حوار داخل حقيبة

شخص يطرق باب الحقيبة. ليس الزائر موتا أو كوكبا طائشا. إنها مجموعة رجال انتدبتهم السلطة ليتأكدوا من تجعد جلدي، و من صلابة يدي، و مما إذا كان لساني مغروسا بشوك الورد..

- لماذا تختبئ في هذه الحقيبة؟

- لا أختبئ فيها، بل أسكنها..

- لمْ تذهب إلى العمل البارحة..

- كنت حزينا، إذ هجرتني زوجتي..

- ألا تدري بأن هذا عمل تخريبي؟

- تنازلت عن أحلامي و أوهامي بعتبة الباب. كائن مفلس أنا مثلما تفلس شركة...

- أي إفلاس تقصد؟

- كل جنوني الذي كان يساعدني على الحياة..

- هل صرحت بذلك؟

- إلى الليل الذي يسكنني صرحت بكل جنوني...

- سنعتقلك اللحظة. أنك متهم بكونك أحمق بكونك تسكن داخل حقيبة بكونك تهذي بكونك مخربا خطيرا بكونك تتكلم لغة خاصة.. أنت متهم بكونك لا تشبه الآخرين...

هلوسات على جدران الوحدة، الطاهر بن جلون، ص 12-13

مرحبا بالعالم، مرحبا بي..!

لا أعرف ما هو رقم هذه المدونة* في لائحة المدونات التي فتحتها منذ أن عرفت التدوين، حتما لن تكون العاشرة و لا الحادية عشرة.



❞ ..... ❝ « ...... » ” ..... “ ☜ { ............... }

كما هو ظاهر من عنوان المدونة (Quotes-Livres)، أي اقتباسات الكتب، ستكون هذه المدونة بمثابة الدفتر -المتاح للجميع- الذي أنقل عليه كلمات أطربت لها أذني (أو عيني ربما!)... بمعنى آخر لن يوجد في هذه المدونة شيء من مجهودي الشخصي، فدوري سيتوقف على الرقن و اختيار العناوين، و فقط.

المدونة ستكون 99 أو لنقل % 98 منها عربية، و ما تبقى أجنبي: فرنسي أو إنجليزي.

و بطبيعة الحال لن انسى وسائل الإتصال بي لمن أراد مراسلتي.. عنوان بريدي الإلكتروني: o.chehbi [@] gmail.com ، أو عبر هذه الصفحة من مدونتي الشخصية.

أهلاً بي مرة أخرى!

*لم يبق أمامي سوى شكر محمد الذي ساعدني (و ما زال يساعدني!) على تخطي بعض المشكلات التي واجهتني أثناء تركيب قالب المدونة. شكراً محمد!