فاته أن يكون ملاكاً


في السوق الكبير، اشتريت باقة من الزهور و عند باب المقبرة اشتريت باقة من الريحان. وجدنا هناك بعض حفظة القرآن يقرؤون سورا على بعض القبور و زوارا يترحمون على موتاهم. كنا نتمشى بين القبور عندما سألته:

- هل تعرف مكان كل القبور التي ستقرأ عليها السور؟

- كلا. المهم هو النية. لا يهم أن أقف قدّام قير معيّن لأقرأ رغم أني أعرف بعضها. و أنت أين قبر أخيك؟

نظرت نحو السور الذي دفن قربه أخي و قلت له:

- هناك. لا يمكن العثور عليه. إننا لم نبنِ له قبرا من قبل أن نرحل إلى تطوان. كنا فقراء.

- سأقرأ عليه سورة ياسين.

توقف فوق ربوة و راح يقرأ على أهل الرفاق الذين كلّفوه. عندما انتهى توجهنا نحو المكان الذي دفن فيه قبر أخي. قلت له:

- هنا. قرب هذا المكان.

أخذ يقرأ. أثناء قراءته كنت أنثر الزهور و الريحان على بعض القبور و على الأرض غير المُقَبّرة بالبناء بعد. كان مدفونا هناك. ربما تحت قدمي أو تحت قدمي عبد المالك أو في مكان ما. فجأة فكرت. لكن لماذا هذه القراءة على قبر أخي المجهول؟ إنه لم يذنب. لم يعش سوى مرضه ثم قتله أبي. تذكرت قول الشيخ الذي دفنه: "أخوك الآن مع الملائكة".
أخي صار ملاكا. و أنا؟ سأكون شيطانا، هذا لا ريب فيه. الصغار إذا ماتوا يصيرون ملائكة و الكبار شياطين.
لقد فاتني أن أكون ملاكاً.


محمد شكري، الخبز الحافي، الصفحة الأخيرة و ما قبلها

الكل واحد!

يبدو أن الفلسفة اليونانية تبدأ بفكرة غريبة، و هي أن الماء أصل كل الأشياء. هل من الضروري حقا أن نتوقف عند هذه الفكرة، و أن نأخذها على محمل الجد؟ نعم. و ذلك لثلاثة أسباب:
أولا، لأن هذه المسلمة تتناول بطريقة ما أصل الأشياء، و السبب الثاني، لأنها تتناوله بدون صور و بمعزل عن السرد الخيالي، و أخيرا، السبب الثالث، لأن هذه العبارة تتضمن و لو بشكل أولي، فكرة "أن الكل واحد". حسب السبب الأول، ما زال طاليس ينتمي إلى طائفة المفكرين الدينيين و الخرافيين، و لكنه يخرج عن هذة الطائفة للسبب الثاني، و يظهر لنا كواحد من علماء الطبيعة. أما السبب الثالث فيجعل منه أول فيلسوف يوناني.
لو قال إن: "الماء يتحول إلى تراب" لكان لدينا مجرد فرضية علمية خاطئة، على الرغم من صعوبة تفنيدها، لكنه يتخطى الإطار العلمي المحض. لا يمكننا القول أن طاليس، من خلال عرضه لفرضية وحدة الكون على حضور الماء، تجاوز المستوى الأدنى للنظريات الفيزيائية في عصره، و لكنه خطا خطوة واحدة. إن الملاحظات المبتذلة، و غير المتماسكة و الاختبارية، التي كونها طاليس حول حضور عنصر الماء و تحولاته الفيزيائية، و و بالتحديد الرطوبة؛ هذه الملاحظات لم تكن لتسمح، أو حتى لتوحي بهذا التعميم الواسع. إن ما دفعه إلى ذلك، مسلمة فلسفية صادرة عن حدس فلسفي، و الذي نصادفه في جميع الفلسفات، التي تحاول مع مجهودات متجددة باستمرار، التعبير عن هذه المسلمة، بشكل أفضل، إنه مبدأ: "الكل واحد".




فريدريك نيتشه، نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية