الدارجة



الدارجة (العاميّة). ناقشت سنة 1959 في درس الأستاذ رجيس بلاشير بالسوربون مسألة اللغة المحكية أو العاميّة و التي نسميها “الدارجة” ترجمة للعبارة الفرنسية (arabe courant)، و بعد أن لخّصت ما قيل فديما و حديثا، في الموضوع، و هو كثير متشعّب، أكّدت أن ما يمنع هذه اللغة من أن تمرّ بالتطور نفسه الذي مرّت به اللغات الأوربية المنحدرة من اللاتينية، فتنفصل عن العربية الفصحى المُعربة، هو بالضبط الحرف. لو أبدل الحرف باللاتيني الذي يضبط الموّتات، لتمّ الانفصال حتما. و وافقني بلاشير على هذا الاستنتاج.

ثم علمت فيما بعد، عن طريق هنري لاوست، أن إدارة الحماية الفرنسية كانت تنوي أن تجعل الدارجة لغة رسمية في المغرب، جنب البربرية. و استدعت لهذا الغرض عددا من المختصين في اللّسانيات و من دارسي اللهجات، فأجمعوا على أن المشروع فاشل لا محالة.

(……)

يشارك بعض أنصار الدارجة دعاة الأمازيغية القول إن الغرض ليس ثقافيا و حسب، بل هو اجتماعي و سياسي، إذ يرمي إلى ردم الهوّة بين طبقات، محو الأمية، التخفيف من ثقل التراث الكلاسيكي المشبع بالقيم العتيقة، عرقلة تأثير الفضائيات الظلامية.

الهدف نبيل. إلاّ أنه قد يتحقق بطريق غير ترسيم الدارجة مع ما يتبع ذلك من سلبيات ذكرناها في حق الأمازيغية. قد ينحقق بـ”تعميم” الفصحى، و هذا تعميم، إذ حصل بالفعل، قد يتطور إلى حدّ أن تتميز الفصحى المغربية عن غيرها تميّز الإنجليزية الهندية عن الانجليزية الإنجليزية. و العملية هاته ليست أكثر صعوبة من التي يدعونا إليها أنصار الدارجة لو كانوا صادقين.

أقرب حالة لما نعيش هي حالة اليونان في العصر الحديث. لمدّة طويلة تكلّف الزعماء و الأدباء اليونانيون تقليد خطباء و كتّاب عصر أثينا الذهبي. تكلموا لغة لم يفهمها إلا دارسو الآداب الكلاسيكية من وطنيين و أجانب. طالب الكثيرون باعتماد العاميةـ الديموتيك، دون جدوى. ثم بعد قرن و نصف من استقلال اليونان، أُنجز المطلب على يد حكومة اشتراكية و أصبحت اليونانية العامية هي اللغة الرسمية.

متى حصل ذلك؟ عندما تطورت العامية إلى مستوى جعلها قادرة على استيعاب شعر كفيافي و روايات كازنتساكيس.

من ديوان السياسة، عبد الله العروي