الناقد و القارئ


الناقد المحترف يفقد، مع الزمن، حاسة التعاطف الأدبي. هذا موقف إيجابي في تقويم الإبداع، لكنه يتحول إلى آلة إلكترونية تخضع الأعمال الأدبية عنده لمنهاج واحد، و إيديولوجية معينة. إن طبيعة انتماءه تفرض عليه أن يكسب هو أيضا جمهوره من المنتمين مثله أو المتعاطفين مع انتماءه. مثل هذا الطموح لا يتم إلاّ على حساب الكاتب لصالح القارئ العادي. هذا القارئ -إذاً- هو المتفرج. إنه الرابح دائما في مثل هذه الدعوى التي يقيمها الناقد على الكاتب. إنها لا تكلف القارئ العادي حتى الشهادة الإجبارية. و هناك نقاد مهووسون بأعمال بعض الكتاب الذين يشتهرون في ظروف خاصة*. إنهم لا يملكون، وسط دهشتهم، إلاّ أن يصفقوا لأيّ عمل يظهر للكاتب المعبود. سمعت عن ناقد مصري شاب كتب عن نجيب محفوظ بهذا المعنى: "إني أعبده عبادة صوفية". هكذا نرى أن القراء العاديين لا يشاركون في حوار إبداعيّ جيّد. حتى استهلاكهم للثقافة نفتقد جدواه ما دمنا لا نعرف مدى تجاوبهم الحقيقي معنا، و جدية حكمهم التي تدفعنا إلى الإيمان بحضورهم. لا يمكن لومهم، إلاّ في أضيق حيز، ما دام الأدب الحقيقي ليس موجها إليهم. هناك قراء يستمتعون بما يقرؤون لناقد بالذات أكثر مما يستمتعون بالعمل الذي ينتقده لهم، لكن أيضا هناك نقادا بلا قراء، و كتابا لا قرّاء لهم و لا نقاد.
* نحن اليوم في العالم العربي نمر بمثل هذه الفترة في أوجها: هناك كثير من الأعمال الأدبية و الفكرية و الفنية كل هم أصحابها هو أن يصرحوا في وجوهنا بشعار الالتزام على حساب الإبداع الحقيقي.
غواية الشحرور الأبيض، محمد شكري، ص 59-60

0 تعليقات:

إرسال تعليق