في الصداقة


لقد تساءلت عن الفرق بين الصداقة مع المرأة، و بين الصداقة مع الرجل (و أنا أتحدث بالطبع عن ذاتي)...
ففي رأيي أن ما يميز الصداقة مع المرأة هو عدم التطابق في هذه العلاقة؛ و يرجع ذلك إلى لعبة الاستمالة و الجاذبية و الإغواء؛ فنحن الرجال لا ندخل بنفس الكيفية إلى متخيل الغير، متخيل المرأة. فأنا أقبل و أفضل بدون شك أن تتلاعب المرأة بالإستقامة، و أن تتفاوض عليها لفائدة قدرتها على الاستمالة و الجذب و الإغواء، و التأثير بجمالها، يجعلني في موقع أقوى؛ لأن المرأة الصديقة ستخشى ألا أقبل وجودها كما هي، أي ككائن تحكمه رغبة خفية في أن يكون الكائن الوحيد الأوحد الذي لا نظير له في عين صديقه على الأقل فبين الرجل الصديق، و المرأة الصديقة نوع من استحالة الوفاء بالعهد، نوع من القطيعة الأولية و هي كامنة في صميم لغة كل منهما.
تحيرني الكيفية التي تنصت بها النساء، و يغريني أسلوبهن في قبول الآخر، قبول حتى ما لا يكون مبررا، و هن يشتقن لأنفسهم (و قد علمن هذا)، و هن يلعبن جيدا لعبة الصداقة؛ يتظاهرن بملء الفراغ الذي يرعب الرجال، و يبدو أنهن يلعبن لعبة يصبح مجرد التصنع فيها اتفاقا على الحقيقة الأولية، حقيقة نستغرق وقتا في التفاوض معهن حولها، هذه الحقيقة الأولية لمعاهدة مستحيلة، هي تفاوض من منطلق رغبة مجزأة موزعة (بين رغبة في الصداقة و بين الإعراض عنها). من المحتمل أن تكون الصداقة مع المرأة أكثر دواما، و أكثر عمقا من الحب. و إن قبول الرجل لهذه الصداقة مع المرأة يمكن أن يشفيه هو بدوره من كل رغبة في التوحد المطلق، من كل رغبة في التحاب، أي كل رغبة في الحب بالحب.
إن الصداقة الجميلة و العجيبة مع المرأة تنقل إلينا جرح الإغواء، تلك الرغبة التي يكون مبعثها الإحساس بأنني مقبول كشريك لها في لعبة غير متكافئة.
و في هذه النظرة الأنثوية أيضا ما يشبه قراءة الزمن، ما يشبه تجليا للنعومة المتولدة عن إحساس المرأة بأنها موضوع نعومة و لطف.
أنا لا أعرف ما إذا كنت واضحا، و لكني أريد أن أقول بكل بساطة أن مثل الصداقة كمثل العمل الفني فهي تحتاج إلى الكثير من الخيال و الحلم؛ فبين الصديق و صديقته ليس هناك سوى خلافات بسيطة... يمكن طيها؛ نتظاهر بها كما لو كنا غيورين، و نضحك على غيرتنا. و هذا يفترض -في نظري- تواطؤا عاطفيا تكون فيه متعة اللعب وحدها فوق كل شيء.
هل هذا حلم؟ لا أعتقد ذلك؛ إنه دعوة معبر عنها من قبل النساء في شكل ألم الصداقة و لوعتها.

عبد الكبير الخطيبي، من رسالة من المؤلف إلى جاك أسون، المؤلَّف "نفس الكتاب"

1 تعليقات:

  غير معرف

26 يونيو 2010 في 12:51 م

لقد تساءلت عن الفرق بين الصداقة مع المرأة، و بين الصداقة مع الرجل (و أنا أتحدث بالطبع عن ذاتي)...
ففي رأيي أن ما يميز الصداقة مع المرأة هو عدم التطابق في هذه العلاقة؛ و يرجع ذلك إلى لعبة الاستمالة و الجاذبية و الإغواء؛ فنحن الرجال لا ندخل بنفس الكيفية إلى متخيل الغير، متخيل المرأة. فأنا أقبل و أفضل بدون شك أن تتلاعب المرأة بالإستقامة، و أن تتفاوض عليها لفائدة قدرتها على الاستمالة و الجذب و الإغواء، و التأثير بجمالها، يجعلني في موقع أقوى؛ لأن المرأة الصديقة ستخشى ألا أقبل وجودها كما هي، أي ككائن تحكمه رغبة خفية في أن يكون الكائن الوحيد الأوحد الذي لا نظير له في عين صديقه على الأقل فبين الرجل الصديق، و المرأة الصديقة نوع من استحالة الوفاء بالعهد، نوع من القطيعة الأولية و هي كامنة في صميم لغة كل منهما.
تحيرني الكيفية التي تنصت بها النساء، و يغريني أسلوبهن في قبول الآخر، قبول حتى ما لا يكون مبررا، و هن يشتقن لأنفسهم (و قد علمن هذا)، و هن يلعبن جيدا لعبة الصداقة؛ يتظاهرن بملء الفراغ الذي يرعب الرجال، و يبدو أنهن يلعبن لعبة يصبح مجرد التصنع فيها اتفاقا على الحقيقة الأولية، حقيقة نستغرق وقتا في التفاوض معهن حولها، هذه الحقيقة الأولية لمعاهدة مستحيلة، هي تفاوض من منطلق رغبة مجزأة موزعة (بين رغبة في الصداقة و بين الإعراض عنها). من المحتمل أن تكون الصداقة مع المرأة أكثر دواما، و أكثر عمقا من الحب. و إن قبول الرجل لهذه الصداقة مع المرأة يمكن أن يشفيه هو بدوره من كل رغبة في التوحد المطلق، من كل رغبة في التحاب، أي كل رغبة في الحب بالحب.
إن الصداقة الجميلة و العجيبة مع المرأة تنقل إلينا جرح الإغواء، تلك الرغبة التي يكون مبعثها الإحساس بأنني مقبول كشريك لها في لعبة غير متكافئة.
و في هذه النظرة الأنثوية أيضا ما يشبه قراءة الزمن، ما يشبه تجليا للنعومة المتولدة عن إحساس المرأة بأنها موضوع نعومة و لطف.
أنا لا أعرف ما إذا كنت واضحا، و لكني أريد أن أقول بكل بساطة أن مثل الصداقة كمثل العمل الفني فهي تحتاج إلى الكثير من الخيال و الحلم؛ فبين الصديق و صديقته ليس هناك سوى خلافات بسيطة... يمكن طيها؛ نتظاهر بها كما لو كنا غيورين، و نضحك على غيرتنا. و هذا يفترض -في نظري- تواطؤا عاطفيا تكون فيه متعة اللعب وحدها فوق كل شيء.
هل هذا حلم؟ لا أعتقد ذلك؛ إنه دعوة معبر عنها من قبل النساء في شكل ألم الصداقة و لوعتها.

إرسال تعليق